قراءة في تقرير لجنة 30 يونيو
قبل يومين من مظاهرات "انتفاضة الشباب المسلم" التي دعت إليها الجبهة السلفية في 28 نوفمبر، خرجت لجنة تقصي حقائق 30 يونيو في مؤتمر صحفي بمجلس الشورى لتعلن نتيجة عملها وتقصيها لجميع أحداث ما بعد مظاهرات 30 يونيو 2013، وعرضت في المؤتمر مقاطع فيديو، ونتائج واستخلاصات عملها والتي حمّلت في مجملها معارضي النظام الحالي كل الجرائم، فيما لم تلق بإدانة فعلية على عاتق الشرطة أو الحكومة.
خروج اللجنة في هذا التوقيت طرح علامات استفهام حول التوقيت والأهداف، وما ذكرته اللجنة وما تركته، خاصة أن اللجنة لم تعرض تقريرها على الرئيس عبد الفتاح السيسي بفترة كافية كما كان يفترض، ولكن تم التعجيل بهذا المؤتمر بداعي أن السيسي طلب عرض النتائج فورا على الشعب حتى قبل قراءته.
ومن الواضح أن التقرير الذي ركز على أكبر الأحداث (فض اعتصامي رابعة والنهضة) جاء (أولا) ليفتح الجرح الدامي ويذكر بكمِّ الدماء المهدرة التي أريقت في ذلك اليوم، وذلك لإثارة نوع من الرهبة والفزع قبل المظاهرات التي دعت إليها الجبهة السلفية، في رسالة ضمنية بعدم مشاركة المتظاهرين.
كما خلت مقاطع الفيديو التي عرضتها اللجنة من أي مقطع يدين تحركات الشرطة، سواء بإطلاق النار أو جرف الجثث أو أي من تلك المقاطع التي يمكن أن تدين الأمن، بل على العكس، أظهرت قوات تأمين الحرس الجمهوري توزع زجاجات المياه الباردة على المتظاهرين لتخفيف حرارة الجو عنهم، وصوت أحد الضباط يناشد زملاءه بوقف إطلاق النار نهائيا حتى الانتهاء من عملية الخروج، ويؤكد للمعتصمين "مش هضرب نار حي"، بالإضافة إلى تعمد إظهار أحد الضباط يطمئن إحدى الفتيات تبحث عن والدها قائلا "خليكي هنا لحد ما تلاقيه، إنتي في عنينا، والله محدش هيعملك حاجة".
التبرئة التامة والكاملة لقوات الأمن أعطت (ثانيا) تطمينا واضحا قبل 28 نوفمبر بأن عمليات مواجهة المظاهرات وفضها لن يتم التحقيق فيها أو إدانتهم بشأنها، بل على العكس، سيتم التركيز وإبراز الجوانب الإنسانية.
وفي المقابل، فإن صور المجهولين الذين ظهروا يحملون السلاح وهم يرتدون زيًّا مدنيا تم وصفهم جميعا بأنهم من المتظاهرين للتدليل (ثالثًا) على أن الاعتصام لم يكن سلميا، وأنه كان مسلحا (إرهابيا)، وذلك للتفزيع من صورة المتظاهرين، حتى لو ادّعوا السلمية، وتم حذف جميع المشاهد التي تبين الغالبية العظمى من المعتصمين وهم عزل من السلاح.
كما يمكن تأكيد أن سلاح مقاطع الفيديو (رابعا) غسل وجه النظام الحالي عن كل ما لحق من دعاوى قتل المعارضين أو قمعهم أو حتى اعتقالهم، حيث عرض فيديوهات من طرف واحد، وأفاد التقرير أن جميع المحتجزين "صدرت بشأنهم أوامر حبس وأحكام من السلطة القضائية ولا توجد حالة اعتقال إداري واحدة"، ونفت وجود "تعذيب بالسجون".
كما عرض مشاهد حرق كنائس، ولم يوضح من الذي حرقها، وهو ما يشير ضمنيا (في السياق) إلى المتظاهرين، دون أن يعرض دليلا واحدا على ذلك، رغم إفلات لقطة فريدة خلال التقرير استمرت ثانيتين فقط، أظهرت سلسلة بشرية لشبان يحملون على صدورهم شارات رابعة، لتأمين الكنيسة أثناء مرور المظاهرة.. ولم يعلق عليها التقرير مطلقا.
الفوضى كانت حاضرة بشكل مخيف في التقرير المصور عبر إبراز أصوات الرصاص دون إظهار مطلقها وهويته، وهو يثير (خامسا) لدى المشاهد شعورا بالخوف مما يصوره التقرير كـ "حرب شوارع"، وهو ما يدفع تلقائيا إلى تقديم "الأمن" على حرية الرأي، وهي المتلازمة التي يروجها الإعلام: الأمن يبرر القمع.
التقرير يتجاهل خمسا
غير أن اللافت ألا تحقق اللجنة ولا تحدد مسئولا أو تذكر أي تفاصيل حول بؤرة الأحداث المتكررة والحاضرة دوما منذ 30 يونيو، وهي سيناء، إذ جاءت الكلمات عامة والجمل مبتسرة، ولم تحدد أي واقعة من وقائع التفجير وقتل الجنود، أو عمليات الشرطة أو الجيش وقتل المسلحين، وإنما اكتفت بالإشارة إلى "الاعتبارات الأمنية التي حالت دون التنقل والاستماع لأكبر عدد ممكن من أبناء سيناء رغم أنها تمثل عنصراً أساسياً في تقصي حقائق هذه الفترة وأحداثها".
كما امتنعت اللجنة عن تحديد المسئول عن القتل في أحداث المنصة، موضحة أن المعلومات المتوفرة لدى اللجنة تفيد أن الاشتباكات بدأت بين مسلحي التجمع وأهالي منطقة امتداد رمسيس ثم وقع الاعتداء المسلح على رجال الشرطة فردوا بإطلاق النار حسب إفادات الشهود، غير أن هذه المعلومات لا تسمح بتحديد المسئول عن جميع الوفيات والإصابات نظراً لوجود ثلاثة أطراف (أفراد المسيرة من جانب وبعض أهالي مساكن امتداد رمسيس و منشأة ناصر من جانب آخر و الشرطة من جانب ثالث).
أضف إلى ذلك أن التقرير خلا من الإشارة إلى ما ورد في أحداث ميدان رمسيس الأولى 15 يوليو 2013 (أثناء اعتصام رابعة) أو الثانية (بعد الفض بيومين) 16 أغسطس 2014.
ولم يتضمن كذلك التقرير أي ذكر عن حادث اختناق 37 معارضًا في عربة الترحيلات 19 أغسطس 2031.
الفكرة الرئيسية
وبشكل عام، فإن الفكرة الرئيسية التي استند إليها التقرير هي أن الشرطة لم تتعمد قتل المتظاهرين، ولم تسعَ إليه أو لم يكن في حسبانها، ولكنها أخطأت أثناء الفض.. وحتى هذا الخطـأ راجع إلى سلوكيات وعنف المعتصمين الذين دفعوها إلى ارتكاب الأخطاء لأنها غير مدربة على ذلك، ولم تشهد مواقف كتلك من قبل.
الفكرة ذاتها كانت محورية في توصيات اللجنة، فقد دعت إلى صرف تعويضات إلى الضحايا الذين "ثبت عدم ارتكابهم أعمال عنف"، وكذلك أوصت بتعديل قانون التظاهر، وإتمام انتخابات البرلمان، لإيجاد الرقيب على أداء السلطة التنفيذية، وتدريس مواد حقوق الإنسان في كليات الشرطة، والمرور الدوري للنيابة على الأقسام والسجون لضمان حماية المتهمين من أي تعسف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق