متى يصمت المرجفون..
طوال التاريخ الإسلامي ومنذ بدايته لم تخل فترة من فتراته من "المرجفين"، والمرجفون هم الذين يبثون الفزع وروح الضعف والاستسلام والرعب.. إلخ.
وقد توعد الله المرجفين في كتابه فقال: "لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلاَّ قَلِيلاً * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً * سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً".
والمرجفون لا يحبسون فزعهم وجبنهم وخورهم داخلهم، بل يشيعون هذه الروح، وينشرونها، وينادون بها.. قال تعالى: "وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لاَ مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا".
وعندما جاء التتار كانوا يغزون بلاد المسلمين بالرعب قبل الجيوش، فكانوا يسفكون دماء كل من بالبلدة بصورة بشعة ثم يتركون اثنين أو ثلاثة من ضعاف النفوس، ويرسلونهم إلى البلدة تليها فيحكون عما جرى، ويقومون عن عمد أو غير عمد بدور "الإرجاف" وبث الرعب، لذلك اتخذ سيف الدين قطز قرارا بعدم استقبال الفارين من التتار، ومنعهم من الكلام وقص ما رأوه حتى لا يوهنوا عزائم جيشه.
المرجفون الجدد
خلال الفترة الماضية شهد قطاع غزة أياما من الأمن لم يرها منذ حرب 1967، هذا على حد وصف الصحفيين الأجانب الذين أقروا أنهم لم يروا مثل هذا العدد المنخفض من المسلحين والملثمين منذ 40 عاما، أي منذ نكسة 67.
وعلى الرغم من ذلك فإن المرجفين الجدد لم يعدموا فكرة لبث الرعب والفزع والتخويف، فسمعنا مصطلحات ودراسات تنفصل تماما عن الواقع، ولكنها فقط ترمي إلى نشر الخوف والرعب والفزع من حماس، سمعنا عن "إمارة حماس الإسلامية" وعن "حماسستان"، كما سمعنا أن "نجاح تجربة حماس سوف تغري إخوان مصر بتكرارها"، وأن "الوضع السياسي في المملكة ينذر بمشروع حمساوي"، كما قرأنا لـ"قلم مأجور" تعرفونه جيدا يزعم في مقاله المنشور بتاريخ 22 يونيو أن هناك "تيارا تكفيريا" داخل حركة حماس، هذا التيار لا يؤمن بالديمقراطية، كما أنه مرتبط ماليا وتسليحيا بأجندة إقليمية ومخترق فكريا بالقاعدة. ولكنه لم يسمع بالطبع عن تيار خياني باع وطنه وشعبه.
كما سمعنا –وهذا سبق له وحده دونا عن العالمين- أن بعض قيادات حماس التي أضيرت من الاتفاق وتم عزلها استثمرت هذه الحالة لقيادة انقلاب عسكري داخل الحركة، ولم تدرك نظرا لـ"ضيق أفقها" أنها وضعت حركتها بل والقضية الفلسطينية كلها في مأزق كبير. برغم أن أي شبل قسامي أفقه أوسع من آفاق عشرات من أمثاله.
ومضى بـ"فزلكته" يصف جنود حماس بأنها " ميليشيات مسلحة (مثل القسام والقوة التنفيذية لحماس) والتي حصلت علي دعم خارجي وتسليحي". ويتابع: "ولقد تمادى المنتمون إلى حماس في أساليبهم الإجرامية فأخذوا يقذفون منازل الفلسطينيين بصواريخ". برغم أن الذ قصف بالآر بي جي هو منزل إسماعيل هنية رئيس الوزارة وسعيد صيام وزير الداخلية الأسبق، بل ومقر الوزارة وفي أثناء اجتماعهم.
ويقرر كما قرر زملاؤه من أصحاب المحابر الأمريكية: "العبء الأكبر للجريمة سيقع على فصيل حماس الذي سمح للتكفيريين والمتطرفين بتغييب الحقيقة ووقع أسيرا للتطرف والأجندات الخارجية". وطبعا لم يفته أن يحبك التخويف بقوله: "فالمشروع الذي يقدمه الانقلابيون في غزة هو إمارة للإخوان المسلمين، وتنظيمهم العالمي". بل تجاوز حدود فلسطين وراح كعادته وعادة أمثاله يستعدي السلطة المصرية على الإخوان قائلا: "وعلينا أن نحاكم الجميع، وحتى المتواطئين معهم في كل بلادنا لأن السكوت عن هذه الجريمة بكل بشاعتها يعني تأييدا لها أو حضا على مرتكبها في بلادنا". نغمة استعدائية مألوفة من أمثاله.
مرجفون.. ومغيبون
ولست أدري أين كانت أقلامهم الفصيحة وعباراتهم النارية عندما كانت النيران تصوب على كل مرتاد للمسجد وحماس تكف يدها وتحتسب شهداءها، طبعا هم لم يشعروا بسكان غزة تحت "الحكم الدحلاني"، لأن أبناءهم الذين يرتادون مدارس اللغات والجامعات الخاصة ويوصلهم السائق ويعود بهم لم يتعرضوا للتعذيب كما تعرض أبناء أهالي غزة في مقرات الأمن الوقائي التابعة لدحلان، ولأنهم يتحدثون عن غزة وهم يجلسون على "الفوتيه" وليس على أنقاض منازلهم كما يفعل أهل غزة، وتمتلئ بطونهم بأصناف اللحوم والحلوى .. لأن التيار الخياني لم يسرق عوائد الضرائب لموظفيه فيحرمهم الطعام، وينامون على أنغام الموسيقى وليس على وقع الرصاص والقذائف.
هل كان المرجفون الذين يحاولون إرهاب الأنظمة من التعاطف مع حماس بدعوى أنها "مصدرة ثورة" وسوف تنقلب عليهم.. سيقولون نفس الكلام لو فقدوا عزيزا أو قريبا لهم جراء التعذيب في مقرات الوقائي؟
أم كان سيرى ما حدث في غزة "انقلابا على الشرعية" -برغم أن حماس هي التي معها الشرعية- لو كان شهد معشار ما شهده أحد المعتقلين؟
يبدو أن مرجفي اليوم قد زادوا عن مرجفي الأمس بأنهم قد صاروا مغيبين عن الصورة، فعلى الأقل تفضل عنهم المهزومون من التتار بأنهم كانوا ينقلون صورة حقيقية رأوها، أما مرجفي اليوم فهم مغيبون، صاروا ينسبون أفعال هذا لذاك، والأدهى أنهم يعدون أنفسهم في عداد المفكرين والعباقرة، بينما ينظر الجميع إليهم –وعلى رأسهم من أمرهم بالكتابة- ويسخر منهم ويقهقه في أعماقه، فمن الذي ما يزال يصدق وجود تيار تكفيري داخل حركات الإخوان بعد كل هذه السنوات من محاربة هذا الفكرالسقيم.
لقد صار الكثيرون يتوقعون بنسب كبيرة ما سيصدر عن أي من كتّاب الإرجاف قبل صدوره، فما إن يصدر تقرير أو بحث أو حتى نظرية عن معهد أمريكي يعكس وجهة نظر الحكومة الأمريكية .. حتى ينطلق المرجفون وراءه بالطبل والزمر والترديد.. تماما كأسلافهم.
الإرجاف رسالتهم.. فأين رسالتنا؟
إن الذين ينادون اليوم بمحاصرة حماس وتجريمها وإفشال مشروعها لهم سلف قد سبقهم، نعم نادى أسلافهم قبل ذلك عند حصار مشركي الجزيرة قائلين: "يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا"، واليوم ينادي الخلف بتضييق الحصار حول حماس، وإفشال مشروعها، والتخلي عن حكومة الوحدة الوطنية تحت دعاوي عديدة.
هؤلاء لن ينفع معهم إيضاحات حماس بأنها اضطرت لذلك دفاعا عن نفسها، ولا حتى قسم القيادة السياسية لحماس بأنها لا تسعر لإقامة إمارة إسلامية أو تصدير ثورة، كما لن ينفع معهم رؤية الفرحة بالأمن في أعين أهالي غزة وبشهادة مدونين؛ فهؤلاء لن يصمتوا عن الإرجاف أبدا.. فهذه رسالتهم.. ولكن السؤال الأحرى.. أين هي رسالتنا؟!.
هناك تعليقان (2):
اخيرا عدت اخى اهلا بك مع تلكم التدوينة القوية بورك فيك
فعلا الناس دول خطرهم اكبر من خطر الاعداء لان اثاره تمتد لسنين ولاجيال عديدة
اللهم عاملهم بما يستحقونه
تدوينة قوية أخي شهاب
يعجبني فيها أنك جعلت أفعال هؤلاء المنافقين هي ذاتها الاتهامات التي يوجهونها للأبرار الأطهار الأشراف
تذكرني بقول المنافقين الذي بينه القرآن الكريم " ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدي من الذين آمنوا سبيلا "
وماذا يفعل المهزوم الذي فضحت عمالته وخيانته غير هذا ؟؟؟
إنه درب المنافقين منذ نشأة الأرض إلي قيام الساعة
إرسال تعليق