20‏/10‏/2007

من نسائم الشهر الفضيل2 (رحيل فتى البلدة القديمة) في رثاء الشهامة




مع إطلالة الشهر الكريم، ننشغل بالإعداد لـ"شنطة رمضان" ونبدأ في شراء المواد التي سيتم توزيعها، ثم نقسمها، ليتم توزيعها مع بداية شهر رمضان.












ولهذه "الشنطة" في حيِّنا قصة بدأت منذ سنوات، وبدأت عندما اتصل بأبي أحد القائمين على عمل خيري وقال له إن بعض الأشياء قد تبقت عندهم هذا العام، فإن كان أبي يود توزيعها عندنا على من يعرفهم من ذوي حاجة أرسلها إلينا، ورفض أبي في البداية لأنه لا يعرفهم كلهم، ولكن تصادف أن كان ابن عمتي عندنا فسأله أبي إن كان يعرف المحتاجين في منطقتنا..








كانت هذه هي البداية.. بدأت بأشياء بسيطة عندما وافق بشدة ابن عمتي وأوضح استعداده لأن يدلنا على بيوت المحتاجين، طلب إرسال كل ما تبقى لأنه يعرفهم كلهم، ووصلت الأشياء وزدنا عليها وقسمناها ووزعناها..








وظل ابن عمتي يستقصي أحوال الناس طوال العام تمهيدا لرمضان القادم.. وكل رمضان يأتي.. كانت الشنطة تزداد من حيث كميتها، ومن حيث كم الموزع عليهم، صارت لشنطة رمضان استعدادات خاصة تسبق رمضان، معرفة أحوال الناس، وشراء الأشياء التي تتحمل البقاء حتى لا يغلو ثمنها مع اقتراب رمضان، ثم تقسيم الأنصبة، ثم التوزيع.








وابن عمتي يأخذني أنا وشقيقي ليعرفنا على بيوت المحتاجين وأحوالهم، حتى حفظناها مع تكرار السنوات والرمضانات، كنا ننزل ليلا لنطرق الأبواب ونتسابق من سيحمل الشنطة من السيارة لأبعد بيت، كانت البيوت البعيدة نتسابق على حمل الشنطة إليها، حيث كنا نوقف السيارة في مكان ونحمل الشنطة منه إلى البيوت.








شيئا فشيئا علمنا عن الأحوال أكثر وأكثر، وصار الموضوع أكثر تنظيما، ولم نعد ننزل وحدنا نظرا لكثرة البيوت وكثرة الشنط، أصبح بعض الشباب يعاونوننا، وأصبحت روحانيات خاصة تصاحب أعمال هذه الشنطة.








أنا لا أبالغ عندما أقول إننا تعرفنا على محيطنا والناس عن طريق ابن عمتي الذي بدأ مشوارا طويلا من العمل الخيري في منطقتنا وأرسى دعائمه قوية، ونظرا لأمانته فقد كنا نعلم جيدا أن من أخبرنا باحتياجه فهو محتاج، ونظرا لشهامته وطيبته فقد كان الناس يأخذون ما يعطيهم إياه.








ذات مرة سمعت مقولة لا أذكر نصها كانت تعني أن القدر يختار الأفضل، ويبدو أن هذا ما حدث مع ابن عمتي، فبينما كان يعبر الطريق منتصف إحدى الليالي عائدا من أحد بيوت أقربائه صدمته سيارة، لم تشفع له قوة بنيانه، ولم يستطع مفاداتها على سرعة حركته وطول قامته، لم تصله سيارة الإسعاف قبل وفاته.








لم أره قبل مدفنه، فقد كنت بين أبنائه الثلاثة، أصغرهم لا أظنه سيذكره، ولكن أكبرهم يعرفه جيدا، ولعله سيبقى شيء من ذكراه في ذاكرته..








أظن شنطة هذا العام كانت للعام العاشر تقريبا، وهي تختلف كثيرا عن شنطة العام الأول، ولكننا نعلم جيدا أنه لولا شنطة العام الأول ما كانت شنطة العام العاشر، لا زلنا نشعر عند تحضير شنطة كل عام بافتقادنا له، على الرغم من أنه العام الثالث بدونه، نفتقد روحه الفكاهية، ونفتقد انتقاداته الساخرة، كما نفتقد طيبته وشهامته وأمانته.








كلما بدأنا الاستعداد لشنطة رمضان أو أنجزنا منها شيئا تذكرته من دعائي ونحن نوزعها، الناس أيضا يدعون له حتى الآن عندما نعطيها لهم، الكل يذكره رحمه الله.








رحمك الله يا ابن العمة، وتكفل بأبنائك وأنبتهم نباتا صالحا..








كم كنت سعيدا طوال هذا الشهر كلما شاركنا ابنه المقرأة وتلا القرآن ففاق أقرانه في جودة التلاوة، يشبهه كثيرا في بنيته وطيبته، رعاه الله ورحم أباه.



هناك تعليقان (2):

عصفور المدينة يقول...

رحمه الله وأجرى عليه أجره إلى يوم القيامة

شهاب الأزهر يقول...

آمين آمين

وجزاكم الله خيرا