وصدرت أحكام العسكرية الجائرة.. صدرت ظالمة جائرة مجحفة.. تماما كما بدأت القضية، بل ربما بمرارة أكثر مما بدأت به، وبظلم أقسى مما كانت عليه طيلة هذا العام.
ولكن وبصدور العسكرية كان لزاما على القوى السياسية –وعلى رأسها الإخوان- أن تقف لتحلل وتقيم دلالات هذه الأحكام عليها وعلى الحزب الحاكم أيضا، وما الذي أراد الحزب الحاكم الوصول إليه أو إيصاله للقوى السياسية عبر العسكرية، وهل وصل فعلا أم لا.
في الواقع الناظر إلى الأحكام العسكرية سيرى دلالات وإشارات واضحة قوية أراد الحزب الحاكم تمريرها للإخوان وأي فصيل سياسي آخر يتأهب لأن يكون لاعبا أساسيا، وأحب الحزب الحاكم وحاكمه العسكري أن يظهر بغاية القوة والصرامة وأنه صاحب القبضة الحديدية الذي لا يهمه شيء.
وقد حاول ذلك من خلال:
أولا: زيادة الأحكام العسكرية عن حد الـ5 سنوات وهو الحد الأعلى سابقا في المحاكمات العسكرية -في عهد مبارك- فحكم بـ7 سنوات، بل أراد أن يوصل رسالة أخرى فحكم على بعض إخوان الخارج بـ10 سنوات، وهذا الحكم له دلالات.
منها أنه يريد إخبار الإخوان أنه قد دخل مرحلة جديدة من التصعيد، وأنه قد زاد يده الحديدية قوة وبطشا، ليس ذلك فقط، ولكنه لوح بما هو أقسى، وهو حكم الـ(10 سنوات) الذي لن يطبق فعليا هذه المرة، ولكن يمكن تطبيقه في مرات قادمة.. باختصار الحزب الحاكم يريد أن يقول: "لقد صعدنا.. ولدينا المزيد".
ويبدو أن هذا الحكم كان قاسيا لأسباب عدة أيضا بعضها لا يتعلق بالإخوان، منها المشاركة المزعجة للإخوان في كل انتخابات وإعلانهم خوض جميع الانتخابات على جميع الأصعدة، ومنها أيضا الحراك السياسي لشباب لم يعرف لهم توجه سياسي سابق مما أشعر الحزب أن الشعب لم يعد يهاب عصاه الأمنية، فأراد أن يسترد هيبته بحكم قاسٍ على غرار المثل الشعبي "اضرب في المربوط يخاف السايب".
هذه هي الدلالات التي يشير إليه حكم العسكرية الذي أراد به النظام استرداد هيبته، وإبلاغ الإخوان أن مرحلة جديدة من القسوة قد بدأت، وأنه لا تزال هناك مراحل أقوى وأقسى بانتظارهم إذا لم يتراجعوا.
إلاّ أنه وعلى خلاف ما يريد الحزب الحاكم.. برزت دلالات قوية أخرى تشير إلى ضعف وخلل في مواقفه، هذه الدلالات سرعان ما ستتكشف للمتأمل للأحكام الصادرة حتى النهاية، ولم يكتف بالفرقعة الكبيرة التي سيحدثها الحكم على الشاطر ومالك.
أولى نقاط الضعف هي أحكام البراءة، فقد أثبتت هذه النقطة أن النظام لا يزال ليس هو الباطش الذي لا يهمه شيء، فهو أعطى أحكام البراءة لتحسين الصورة أو لتخفيف الصدمة، على الرغم من جميع المحالين معروف لديه ولدى الجميع انتماءهم، حوكموا بذات الاتهام بعد إسقاط الإرهاب وغسيل الأموال عنهم، ولكنه أعطى البراءة لكثيرين حتى لا ينفجر الأمر في وجهه.
والمتأمل لمن أخذوا أحكام البراءة ستتكشف أمامه نقاط ضعف أخرى، أولها براءة أحمد عز الدين، الرجل الإعلامي رقم 1 في الإخوان، والذي كان من المتوقع أن يكون من أصحاب الأحكام الكبيرة، نظرا لأن الملف الإعلامي والدعائي المذهل للحكومة في انتخابات 2005 هو الذي دفعهم للتفتيش عما يعتقدونه مصادر تمويل وتجفيف منابع اقتصادية... إذن كيف يحصل صاحب الملف الإعلامي على البراءة؟؟ يبدو أن النظام على الرغم من أنه وضع مرشحه (مكرم) على مقعد نقيب الصحفيين لم يستطع إسكات أقلامهم بعد، ولا زال يخشى محابرهم وثورتهم فآثر السلامة بإسكاتهم وإخراج أحمد عز الدين لهم، وهي نقطة ضعف تجاه الصحفيين وأصحاب الأقلام سيراها كثيرون.
النقطة الثالثة في أحكام البراءة هو خالد عبد القادر عودة، نجل الشهيد عبد القادر عودة الذي أعدم في محاكمة عسكرية في عهد عبد الناصر، والرجل الحازم مرشح الإخوان في أسيوط لمجلس الشعب 2005، وليس بكبير عناء سيدرك المتأمل دلالة براءة عودة الابن، حيث إن نظامنا يخشى الرأي العام الخارجي أكثر من الرأي العام لشعبه، وزملاء عودة الذين كان يشرف عليهم في بحث علمي سيفيد مصر كثيرا كانوا كفيلين بالضغط على النظام المصري عبر ما أثاروه حول اعتقال عودة عند عودتهم إلى الخارج.
نقطة ضعف رابعة تجلت في براءة عبد الرحمن سعودي رجل الأعمال الذي لا يقل في ثقله الاقتصادي عن الشاطر ومالك، ولكن يبدو أن سعودي صاحب المشاريع المبرمة مع جهات عديدة -من بينها وزارات وهيئات حكومية- قد أحدث اعتقاله كسادا ووقف حال للحكومة نفسها، فكان الجانب الاقتصادي نقطة ضعف ظهرت أيضا في أحكام العسكرية.
من نقاط الضعف التي سيراها أيضا متأملون براءة بسام أمير بسام مرشح مجلس الشعب 2005 الأزهري عضو هيئة التدريس، حيث إنه الوحيد من بين 4 من أعضاء هيئة تدريس جامعة الأزهر الذي حصل على البراءة، وجاءت هذه البراءة على الرغم من أنه أشهرهم على المستوى العام حيث إنه رشح لمجلس، كما أنه يحظى بشعبية كبيرة في بلده ودائرته، ويبدو أن الحزب الحاكم خشي أن يستفز "البسطاء والغلابة" الذين يكنون حبا كبيرا للدكتور بسام، حيث أنشأ لهم مستشفى وكان بصدد إنشاء الثانية.
وربما سيرى محللون ومتأملون نقاط ضعف أخرى، ولكننا سنكتفي الآن بهذا القدر لننظر في كيفية التعامل مع ما نراها نقاط الضعف وما يراها النظام نقاط قوة.
أولا بخصوص دخول مرحلة جديدة من العقوبات الأكثر قسوة وصرامة:
أتوقع أن يبدأ الإخوان -وكذلك القوى السياسية- في التأكيد على كوادرها ومحبيها ومناصريها على الطابع السلمي لدعوتهم، وألا تستفزهم قسوة وعنف النظام لعنف مضاد أو مماثل، وإلا فإنهم سيكونون قد قدموا أنفسهم على طبق من فضة لنظام غشوم لا يرحم.
وكذلك فإنه من المتوقع أن يبث الإخوان بين بعضهم البعض معاني ومشاعر الصمود والثبات تحسبا لأي ضربة محتملة قادمة، وربما يتم تكثيف هذا المعنى –مع المعنى السابق (سلمية الدعوة)- والتركيز عليه في دراساتهم داخل أسرهم وكتائبهم، والتأكيد على أن الثبات من عند الله واستلهام الثبات والمؤازرة من الله وحده، وربما تكثيف الجرعات الإيمانية لما لها من مردود قوي النفس.
التأكيد على أن ما ترفعه الجماعة من شعارات (الجهاد سبيلنا) ليست كلمات تردد، وإنما هو سبيل فعلي، ومصارحتهم بأن الفترة القادمة قد تتضمن ابتلاءات فاستشعروا معاني الكلمات التي ترددونها.
وفيما يتعلق بنقاط الضعف فإن الذكي الذي يستفيد منها على النحو التالي:
أن يتم الانتشار أكثر بين طبقات الشعب المختلفة، والانخراط أكثر في النقابات المهنية، فعلى الرغم من أن النظام لا يقيم وزنا للرأي العام الداخلي كما يفعل بالنسبة للخارجي، فقد بدأت هذه المعادلة تتغير، ولو تغيرا طفيفا.. إلا أنه أحدث فرقا وشكل ضغطا في الآونة الأخيرة.
كذلك أن يقوم الإخوان أكثر بالتواصل مع الرأي العام الخارجي، خاصة الطبقات المثقفة والجهات العلمية بعيدا عن السلطات السياسية العفنة البرجماتية التي قد تتحالف مع برهة للضغط على النظام الممانع لأحد مشروعاتها ثم لا تلبث أن تبيعهم لترتمي مرة ثانية في أحضان الديكتاتور الذي لبى لهم مطالبهم وركع على ركبتيه.
ونهاية نخلص إلى أن العصابة الحاكمة أرادت أن تكون أحكام العسكرية دليلا على قوتها وأنها لا تزال لا تخشى شيئا ولا يهمها ضغوط، وأنها ستقسو خلال الفترة القادمة وبإمكانها أن تقسو أكثر، ولكن لناظر المدقق سيرى بين سطورها ضعفا، وسيرى مقدمات ضعف أكبر، ويبدو أن الظالم يزين له شيطانه فينسى أن المبالغة في الظلم لا تعني طول الدوام والاستقرار.. وإنما قرب الزوال والانهيار
هناك تعليقان (2):
بوركت اخى شهاب على هذا التعليق الرائع على المحاكمات العسكرية
ولكن لى رسالة الى الحاكم وحاشيته
اقول لهم
ألافليبك الظالمون على انفسهم الف مرة
لانهم بهذا الطغيان يساعدون فى بناء جيل قادر رفض الظلم والطغيان..قادر على الصمود فى وجه الطغاه ..قادر على بناء امة قوية
لاتخشى الاالله ...
السلام عليكم
اخي الكريم شهاب الأزهر
كلمة عاوز أقولها علي التحليل الممتاز اللي إنت قمت بيه
اولا ربنا يبارك فيك
روعة في فهم الأوراق السياسية
وخدها كلمة من خبير سياسي
زي ما بيقولوا
اقرا أكتر في مناهج التحليل والبحث السياسي هتفيدك كتير إنت موهوب بجد
نصيحة فيه كتاب اسمه الأمير
لميكيافللي
ممتاز اقراه ، وابقي قوللي رايك
جزاكم الله خيرا
إرسال تعليق