26‏/05‏/2007

أطفال المترو1 ... وجوائز المرفهين





كان من جملة القواعد والمسلمات لدي .. أن الأطفال المرفهين جدا يصعب التعامل معهم، كما يصعب وضع حافز لهم، يعني مثلا "الشبل بتاع الدقي اللي أبوه بيجيب له (لاب توب) هدية بسبب ومن غير سبب.. أي جائزة أضعها له لتكون حافزا له وتعجبه؟؟".







وكانت هذه من المسلمات لدي، فلم أكن أحاول التجريب مجددا مع أحد الأولاد شديدي الرفاهية بوضع حافز أو جائزة تدمر ميزانية الشهر لينظر إليها بعد ذلك بقرف، وربما لا تعني له شيئا، وربما يكون رحيما بي منذ البداية وعندما أخبره أن له جائزة إذا فعل كذا فيقول: "إيه يعني.. ما بابا جاب لي!!".






لكن -وعلى غير موعد- أتت "آية" الصغيرة لتدمر لي هذه القاعدة وتنسفها تماما بصاروخين قسَّام، وقد بنت الصغيرة مكان هذه القاعدة القديمة البالية قاعدة جديدة، فقد لفتت نظري إلى ما كنت أجهله .. أو أتجاهله، وسأخبركم بالقاعدة الجديدة.







كانت أصابعي تنقر بتوتر ملحوظ وأنا أتابع أسماء محطات المترو وأراقب الساعات المعلقة بها، فلم أكن أريد أن أتأخر عن الموعد الذي أعطيته لأحدهم، لم تكد محطة "الدقي" يظهر اسمها أمامي حتى خرجت مسرعا، لم أحتمل الانتظار على السلم المتحرك فجعلت أتنقل على درجاته، خرجت مسرعا منا البوابات، قصدت باب الخروج ... وهنا توقفت ما إن رأيتها..







فمن بين أكثر الأشياء التي تجعلني أتوقف متناسيا العالم رؤية طفل يبكي وحيدا .. خاصة بين زحام المدينة وقسوته، اقتربت منها وابتسمت له وأنا أمسح عينيها..







لا تبكي يا صغيرتي.. (وبنظرة سريعة على هيئتها، كان البذخ واضحا في ملابسها) فسألتها عن ما توقعت أن يمكن أن يكون سبب بكائها.






- أنت مش لاقية بابا؟







- لأ أنا كنت جاية لوحدي







- طيب انت اسمك إيه؟






- آية






- آية إيه؟






- آية محمود







- طيب يا آية انت رايحة فين؟






- المدرسة






- امال واقفة هنا ليه ؟ نزلت في محطة غلط؟






- لأ هيا دي محطتي






- زعلانة ليه طيب






- أصل فيه ربع جنيه وقع مني هنا (وأشارت إلى منطقة ضيقة بجوار السلم)







- طيب يا آية .. بس كده ... خدي جنيه يا ستي مش ربع بس ما تزعليش






- لأ أنا عاوزة الربع جنيه بتاعي.. أصل أنا أخذته جايزة، وهوا وقع مني هنا!!






طبعا تفهمت الصغير ونجحت المحاولات بانتشال الربع جنيه الغارق والذي ما إن خرج حتى أخذته الصغيرة متهللة.. وبعد عدة خطوات وهي تحدق في الربع جنيه التفتت وقالت: "شكرا أوي يا عمو". ومضت آية إلى مدرستها.







ولكن آية الصغيرة أرتني بالفعل أنها لا تلتفت إلى القيمة المادية للجائزة ولكنها تلتفت إلى القيمة المعنوية لها.






تعلمت من آية الصغيرة أن كتابة اسم الشبل المتفوق على لوحة الشرف لمدة أسبوع قد يكون أغلى عنده من الـ"لاب توب" الذي يحصل عليه بدون سبب أحيانا .





هناك 10 تعليقات:

About Me يقول...

موضوع اكتر من رائع يا شهاب

غير معرف يقول...

اما يا شهاب حتة موضوع....ايه يابني دا!!!!!!!!! انت اخصائي اطفال:)والاشبال اكيد بيموتوا فيك من غير هدايا خالص

شهاب الأزهر يقول...

ميدو مجدي الذي تشرف به مدونتي لأول مرة: مروركم يسرني كثيرا.. وإطراؤكم على الموضوع وسام أعتز به..

جزاكم الله خيرا

شهاب الأزهر يقول...

مصراوي: والله لك وحشة، يعني ما يجمعناش الا الكرة؟

عموما عالم الأطفال دا عالم كبير، ولما الواحد بتحط في مجال يخدم بيه دعوته ووطنه لازم يعطي له من تفكيره ربما أكثر مما يعطي له من جهده، وكلما أعطه له أخذ واستفاد.

عموما الله يكون في عونك في الموضوع الأخير اللي انت فتحته، لأنك فتحت على نفسك فتحة.. واستلم:) هههه

غير معرف يقول...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

موضوع فعلا رااائع جدا أنا قرأته أكثر من مرة لما يتحتويه من أفكار مهمة جدا لنا في التعامل مع زهروتنا وأشبالنا الصغار

منذ فترة بسيطة كنت أعاني من هذا الأمر حينما كان لدي زهرة بنت أخ لا يعجبه أي هدية وكنت لا أري ان أي هدية ستكون حافز لها

ما تعلمته من هذا الموضوع أنه علينا نحن ان نغير أسلوبنا في التعامل معهم ونحن من نشعرهم بقيمة ما ينالوا عليه بجهدهم وخلقهم بل سيعلمون تلك المتعة التي سيجنوها هم

خطوة جديدة سأغيرها في أسلوب تعاملي مع بننانيتي الصغار

بارك الله فيما خطته يداك يا شهاب موضوع رائع لا يخرج إلا من شخص هو أهل بذلك فأنت مبدع وأهل للإبداع

شقيقتك

شهاب الأزهر يقول...

بارك الله فيك وفي زهراتك با بنت النيل، وأنبتهن نباتا حسنا، وجعل ذلك في ميزان حسناتك.

بالفعل يجب أن نربي أشبالنا على البعد القيمي والمعنوي ليثبتوا أمام طوفان المادية الجارف، فهذا أحد الأهداف التي يغرسونها في أشبالنا وهو "البرجماتية" أو النفعية ، أو المادية، ولو انسقنا وراء هذا الخلق في وضع الحوافز لأشبالنا دائما لتحولنا إلى متسولين ولما أعجبهم ذلك في النهاية

مشروع انسان يقول...

ربنا يجزيك خير ويجعل ذلك فى ميزان حسناتك انا برضه بحب الاطفال جدا بس عندى اشباح ياكلوا الزلط ولو جبتلهم ربع جنيه معدن يطبقوه بسنانهم
بس اكيد الجانب المعنوى بياثر فى الاطفال بشكل كبير اكتر من المادى لكن ده بيختلف بين الاولاد وبعضهم اكيد بس جميل جدا منك ايجابيتك ممكن كتير كانوا يكبروا ويعدوا الموقف ربنا يكرمك

شهاب الأزهر يقول...

آمين

ويكرمك ربي ويجزيك خيرا على اهتمامك بأشبالك..

مشروع انسان يقول...

جزيت خيرا طيب انت ليك عندى تااااج امانة لازم تستلمه وتمضى على استلامه
تحياتى

غير معرف يقول...

استلمته وأجبت عليه