13‏/11‏/2007

أطفال المترو 3.. ومحورية الآباء

أطفال المترو 3.. ومحورية الآباء




كان اليوم الثاني من أيام عيد الفطر المبارك، وكنت أنا وأبي في إحدى الزيارات، في إحدى المحطات وبعدما بدأت صفارة التحذير بإغلاق الأبواب دخلت طفلة صغيرة إلى العربة وأغلق الباب دون من كان معها، لمحت الموقف بطرف عيني، وهببت واقفا عندما انطلقت صرختها مكتومة وهي تراقب أخاها عبر الزجاج وتضع يدها عليه وكأنها تود اختراقه.





كانت صغيرة تزدان في حجابها وتلبس ملابس العيد الجديدة، بدأ الناس يطمئنونها بكلماتهم وهم جلوس في أماكنهم، ولكني كنت بجوارها بعد أول صرخة، وكانت يدي على كتفها بعد الثانية.. أشرت إلى أخيها وقد بدأ المترو يتحرك بأننا سننتظرك في المحطة القادمة، ثم التفت إلى الصغيرة مكفكفًا دموعها التي بدأت في الانهمار من عينيها الصغيرتين وقد تعلقتا بأخيها الذي بدأ يغيب عن ناظريها...




- اسمك إيه؟




- ياسمين



- الله.. اسمك جميل أوي.. ياسمين إيه؟



- ياسمين إمام



- طيب يا ياسمين أنت زعلانة ليه؟؟ احنا هنقابل أخوك في المحطة الجاية..



- صمتت قليلا لتفكر في كلماتي فأكملت



- يعني 5 دقائق وهوا هيكون جه في المترو اللي ورانا.. أنت في سنة كام؟



- سنة رابعة



- طيب يا ياسمين يعني أنت كبرتِ



- ابتسمت ابتسامة خاطفة ثم قطبت حاجبيها ثانية وهي تقول: "طيب لو ما جاش هاعمل إيه؟".



- ضحكت ضحكة خفيفة وأنا أقول: "أولا هوا إن شاء الله هييجي، ثانيا لو ما جاش هوصلك البيت.. أنت منين؟".



- من (....*)



- بجد؟ (طبعا ولا أعرف إلا اسمها من نداءات سائقي الميكروباصات بالموقف)



- آه



- طيب يعني ليكم عربيات من هنا



- آه



- طيب ولو نزلت بلدكم مش تعرفي البيت تروحي لوحدك؟



- آه



- طيب زعلانة ليه بقى يا ياسمين؟ قلتها وأنا أداعبها



ابتسمت ياسمين بينما لا تزال قلقة ونزلنا في المحطة واستأذنت أبي في الانتظار معها حتى يأتي أخوها فجلس ينتظرني بينما عينا الصغيرة تنتظر القطار الذي سيأتي بأخيها في ترقب.



- التفتت الصغيرة إلي فجأة وسألتني: "أنت تعرف بلدنا؟".



- لم أرد أن أرد بالنفي فتضيع آمالها فرددت بسؤال: "مش أنت من (....*)؟".



- في سعادة ردت: "أيوة.. طيب تعرف الأستاذ إمام؟".



- في استغراب رددت متسائلا: "الأستاذ إمام؟"



- آه الأستاذ إمام المحامي



- تذكرت اسمها ففهمت أنه أبوها فرددت بسرعة: "والله.. أنت بنت الأستاذ إمام المحامي؟".



انفرجت أسارير الصغيرة وتهلل وجهها وهي تهز رأسها بالإيجاب، سررت جدا أنها نبذت قلقها عندما ظنت أنني أعرف أباها خاصة لعلمي بحاجة الفتيات إلى الشعور بالأمان أكثر من الصبيان، (طبعا ولا سمعت عنه ولكني أوحيت لها ذلك فقط من الكلام لطمأنتها)، نظرت نظرة خاطفة إلى أبي وهو جالس ينتظرني مبتسمًا ابتسامة أقرب إلى الضحك على أسلوبي، يبدو أن الصغيرة أسعدها جدا ظنها أني أعرف أباها فوضعت يدها في يدي وراحت تنتظر المترو في سعادة غامرة وشعور بالأمان.



ذكرتني ياسمين بأيام طفولتي، وكيف أنني كنت أظن مثلها أن الدنيا كلها تعرف أبي، فأبي كان محور الحياة بالنسبة لي، لا يوجد أحد على وجه البسيطة لا يعرف أبي طبعا، في المعهد الأزهري أو النادي أو الشارع أو أي مكان.. يجب أن يكون الجميع يعرفون أبي، ويكفي فقط عند أي مشكلة أن أعرفهم أنني ابنه ليساعدني الجميع.



ذكرتني ياسمين أن هناك أشخاصا يمثلون محور الحياة بالنسبة لآخرين، ربما في فترة ما من أعمارهم، ولكنهم كانوا يعنون لهم كل شيء..



أتى أخو ياسمين وأخذها ثم شكرنا ومضى، وذهبت أنا إلى أبي وتركت يدي تدخل بين كفه كما كنت أفعل عندما كنت صغيرا، وكأن ياسمين قد بعثت في مشاعر الطفولة.



ولكن ما بعثته داخلي ياسمين لم يكن مشاعر الطفولة فحسب، بل نبهتني أيضا أن محور الحياة عندي ومحور الأمان قد تبدل وتغير، فالطفل الصغير ربما يمثل له أبوه محور الأمان، ولكنه سرعان ما يكبر وتتسع مداركه ليدرك أن الحياة أكثر شراسة، البعض تلتهم قلوبهم قسوة الحياة، والبعض الآخر يتعلقون بمحور أقوى يجابهون به الدنيا كلها.. وقد فعلت واخترت محورا جديدا ألجأ إليه في كل ملمة.. هل تعرفونه؟؟



إنه ربي..

هناك 18 تعليقًا:

عصفور المدينة يقول...

حقيقة من أروع التدوينات بل حتى الكلمات التي قرأتها منذ زمن
فتح الله قلبك وفتح عليك وبارك في عقلك وعمرك

غير معرف يقول...

والله يابني موهوب

بس هو دا تعليقي

ammola يقول...

ما شاء الله حضرتك عندك موهبة كبيرة للتعامل مع طفلة ومش فى موقف عادى لأفى أزمة...اكيد ان شاء الله تكون أب هايل

خالد أبوالفضل يقول...

لست أدري هل أثني علي طيبة قلبك أم سرعة بديهتك أم حسن فهمك للمواقف أم براعة استخلاص الخواطر من بحر الحياة أم روعة أسلوبك أم .... أم .... إلخ
أخي الكريم ... أحسنت أحسن الله إليك
ولا أملك إلا أن أدعو الله أن يروع أمنك يوم القيامة كما روعت أمن هذه الطفلة في الدنيا .
آآآآآآآآآآه .. أصبح الرائعون في هذا الزمن كالذهب .. قلما تجدهم.

همسة قلم يقول...

:)

تعاملك مع الطفلة اخى شهاب حقيقة ملفت للنظر .. الواحد بيتعلم هنا كتير فيمعاملة الاطفال صدقا
أكرمكم الله

اما عن محورية الآباء فعسى ان نصل للنتيجة التي وصلت اليها في النهاية اخونا الفاضل

نفع الله بكم وبارك فيكم

أحمد سعيد علي الدين يقول...

بصراحة مش عارف أقولك ايه بتعرف يعامل الصغير والكبير فنان بجد
بس ايه رأيك لو بقي عندك أمورة زي ياسمين مش يكون أحلي كتير
هههههههههههههه

جمعاوى يقول...

ح أقول أكتر من اللى إتقال ايه


بس بصراحة و حشتنى


طيب أكتب لك نمرة الموبايل بتاعتى ..نفسى أسمع صوتك
إنى أحبك فى الله

غير معرف يقول...

لقد تأثرت برقة مشاعرك حتى أدمعتني أحييك علي الاسلوب الراقي وأري أنك لم تكتشف بعد....وكل الاحترام للاسرة الكريمةالتي أنجبتك.

صانعة الحرية يقول...

جزاك الله خيرا
تدوينه رائعه شدتنى لقراتها حتى النهايه
سلوكك وتصرفك مع الفتاه رائع
ومحاوله حضرتك لجعلها تشعر بالامان
عجبنى اسلوب حضرتك
وادينا بنتعلم

شهاب الأزهر يقول...

أ. عصفور.. آمين ولك بمثل ما دعوت .. تشجيعكم وثناؤكم وسام نعتز به

شهاب الأزهر يقول...

مصراوي أوي:: طبعا التتحيز للناس اللي بلدياتك واضح جدا في الرد، لكن هنفوتها لك المرة دي

الله يكرمك ويجزيك كل خير أخي..

على فكرة:: أنت واحشني جدا

شهاب الأزهر يقول...

أختنا أمولا:: المدونة نورت بزيارتكم .. جزاكم الله خيرا ونسأل الله ذلك

شهاب الأزهر يقول...

أخي الكريم خالد أبو الضل:: الرائعون هم الذين يتحلون بأخلاق رائعة مثلك أخي ويشجعون الناس على بضاعتهم وإن كانت مزجاة مثل بضاعتي.. جاكم الله خيرا على تشجيعكم وبارك فيكم

شهاب الأزهر يقول...

أختي الكريمة همسة قلم(رحم الله والدك ووالد أخونا خالد أبو الفضل):: بل نحن نتعلم منكم الكثير، ونسأل الله أن تكون محورية ربنا في حياتنا حاضرة دائما في أذهاننا .. آمين

شهاب الأزهر يقول...

أخونا الكريم نور الأزهر:: والله لكم وحشة أنت وإخوانك، وإن شاء الله يرزقك الله ببنت جميلة مثلها أو أجمل منها وينبتها لك نباتا حسنا.. ونحن أيضا..آمين

شهاب الأزهر يقول...

جامعاوي :: وأنا أيضا نفسي أسمع صوتك.. بأي طريقة لا مانع لدي

شهاب الأزهر يقول...

أستاذنا فادي علي:: زيارتكم للمدونة شرفتنا ونورتنا، وتعليقكم نفخر به كثيرا، ونسأل الله أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال

شهاب الأزهر يقول...

أختنا صانعة الحياة:: نحمد الله أن لاقت استحسانكم، وكلنا نتعلم كيفية التعامل مع النشء الذي هو أمل أمتنا، نسأل الله لنا التوفيق والقبول ولنا ولهم الصناعة على عينه آمين