26‏/05‏/2009

ما بين تميعهم واسترجالهن!!

ما بين تميعهم واسترجالهن!!



لقد بات واضحا للمشاهد العادي في شوارع مدننا العربية أن شوارعها تضم جنسا جديدا لا تتضح معالمه بسهولة؛ فلا هو يتسم بملامح الرجولة وعزتها وقوتها، ولا هي تتسم بصفات الأنوثة ورقتها وحيائها!!.


فكثيرا ما ستجد نفسك حيرانا أمام أحد أفراد الجنس الجديد.. "هل هو شاب أم فتاة؟".. هل أقول له "يا أستاذ أم يا آنسة؟".. لا تعرف المظهَر الذي تنظر إليه على أي مخبَر يدل؟؟


الكارثة أن ذلك لا يقف عند حدود المنظر والمظهر، ولكنه يتخطى ذلك إلى ما هو أبعد بكثير، فالشاب الذي تراه ولا تستطيع تحديد جنسه من المظهر.. قد لا تستطيع تحديد جنسه أيضا حتى مع معرفتك به، فقد تفاجأ أنه لم يعد يحمل بين جنبيه نفس رجل يحمل صفات الشهامة والإباء والنخوة والكرامة..


كذلك قد تجدها فتاة لا تملك حياء ولا رقة ولا حتى عاطفة... إننا نواجه حالة من تميع الشباب (نفسيا ومظهريا) واسترجال الفتيات..


فربما تجد أحدهم لا يغار على أخته أو ابنته أو ربما زوجته أيضا، وإحداهن لا تستحي مما تستحي منه الحرة ولا تملك رقة الأنثى وانكسارها.. حتى صار ذلك عرفا بين بعض هذه المجموعات، فربما يقول أحدهم لزميله أنه خرج مع أخته "يتمشى على الكورنيش" ولا يجد الآخر في نفسه غضاضة، ولا تستحي هي من أن تفعل ذلك أو أن يعلم أخوها أو أبوها عنها ذلك، فيكون تخليها عن حيائها المعهود في بنات حواء خطوة أولى لانفراط عقد صفات الأنوثة من نساء المجتمع، لتتوالى بعده الصفات المتبخرة.. ربما تتبخر بعدها العفاف.. فالرقة.. فـ... فالأنوثة كلها، ويرى الرجل ابنته تخرج بما لا يليق ويبتسم مودعا إياها، فتنفرط الغيرة، ليعقبها ربما النخوة أو الشهامة ثم النجدة.. وربما تلحق بها سائر صفات الرجولة!!.


هذه المشاهد والمناظر تترك الحليم حيران لا يدري.. أين ذهبت صفات الأنوثة والرجولة، وما هذا الجنس الجديد الذي طفا على السطح؟؟ فلا هو بالرجل، ولا هي بالمرأة!.


لست أدري لماذا هوجم نموذج الرجل الـ"حمش" صاحب الغيرة بكل ما يحمل من صفات حميدة وسيئة، ربما كان بعضهم مستبدا في أسرته كـ"سي السيد" (أشهر مثال لذلك)، ولكن المؤكد أنه كان يحمل صفات الرجل الحميدة أيضا بجانب الصفات السيئة.. وأن المرأة فقدت كذلك الرجل الذي تشعر برجولته ويشعرها بأنوثتها.


كذلك هوجم نموذج المرأة الضعيفة بكل صفاتها، فخرجت لنا امرأة "مسترجلة"، لا يشعر الرجل بأنوثتها ولا تشعره برجولته، على الرغم من أن أقوى ما في المرأة ضعفها، ولكنه تركت سلاحها القوي، وصفاتها الأنثوية، ورقتها العذبة، وحياءها الغض عن طيب خاطر منها ورضا!.


ولذلك كان الحنين إلى ذلك الماضي المفتقد يطل برأسه بين الحين والآخر، فكان الحديث حوله مع كل مسلسل يظهر فيه نخوة الرجل وشجاعته ومرءته وغيرته، وطاعة الأنثى وحياءها، ويطل الحديث مع كل كائن بشري غريب يمر أمامنا فلا ندري إلى أي جنس من البشر ينتمي.


هل هو "خنث الحضارة" الذي تحدث عنه ابن خلدون في عندما أشار: "فإذا استفحل العز وتوفرت النعم والأرزاق بدور الجبايات وزخر بحر الترف والحضارة ونشأت الأجيال على اعتبار ذلك لطفت أخلاق الحامية ورقت حواشيهم، وعاد من ذلك إلى نفوسهم هيئات الجبن والكسل بما يعانونه من "خنث الحضارة" المؤدي إلى الانسلاخ من شعار البأس والرجولية".


ولكننا لا نعيش عصر استفحال العز وتوفر الأرزاق، فالشباب لا يزال غارقا في البحث عن الرزق ويعاني قسوة المواصلات وغلاء الأسعار.. كما أن حالة الـ"خنث" -إن صح التعبير- ليست مقصورة على أبناء الأثرياء رغم ارتفاع نسبتها فيهم دون غيرهم.


أم الشقاء الذي تعيشه الشعوب العربية الآن هو شقاء ممزوج بالجبن والمذلة، وليس الكد والعرق الممزوج بالكرامة والأنفة والإباء.. فصار "شقاء الجبناء" الذي لا هو نعيم يورث "خنث الحضارة" ولا هو تعبٌ وكدٌّ يورث قوة الرجولة وفتوة الشباب.. وإنما صار "خنث الاستبداد"؛ فهو الخنث الذي يورث لطف أخلاق الحامية ويعود بالجبن والكسل والانسلاخ من شعار البأس والرجولة، إنه خنث العيش تحت ظلال الاستبداد العالمي.


أن يرى الرجل أخاه مضروبا ومستباحا في بقاع الأرض ولا نصرة له ولا هبة.. فإن رجولته تنكسر، عندما يرى دولا تتسلط وتقتل وتهين وتعبث وتذل وتتواطأ معها أنظمة الشعوب المظلومة.. فإن رجولته تنسحق، عندما تتسلط عليه أنظمته ذاتها وتقهره.. فإن رجولته تتوارى وتختفي.


إن الحالة الجديدة تختلف كثيرا في المسببات، كما تختلف أيضا في النتائج، فإذا كان الخنث الذي يعنيه ابن خلدون من الحضارة والنعيم والترف؛ فإن خنث شبابنا وفتياتنا اليوم من المذلة والاستبداد والتغييب والتسطيح..


أعتقد أن كل ذلك أورث خنثا جديدا.. فلا الرجال ظلوا رجالا يغضبون للحق ويأنفون ويغيرون وينجدون الصريخ، ولا النساء ظلت نساء ترق وتزدان حياء... وما بين تميعهم واسترجالهن تحطمت قيم مجتمعاتنا.

هناك تعليقان (2):

ابو صهيب ( الجمعاوي الاصيل)سابقاً يقول...

فلا الرجال ظلوا رجالا يغضبون للحق ويأنفون ويغيرون وينجدون الصريخ، ولا النساء ظلت نساء ترق وتزدان حياء... وما بين تميعهم واسترجالهن تحطمت قيم مجتمعاتنا

هذا ما اراده لنا اعدائنا فاستورده لنا حكامنا

وفرغوا شبابنا من المضمون والمعني
فانا لله وان اليه راجعون

غير معرف يقول...

يعني من موضوع إجتماعي مهم بالطبع ..أخذتنا إلي دلالات ومعاني أهم كعادتك أيها الشهاب المنير.أبو نادية:)