22‏/03‏/2011

في جبل المختار.. أبعاد المجزرة.. -3


محمد البطاوي

الجمعة 25 فبراير – العاشرة صباحا

محمد جبريل.. مصاب بطلقتين في الصدر.. أجريت له عملية وينتظر أخرى بعد ساعات من الصورة.. والروح المعنوية عالية ويهتف لليبيا بالحرية


أنقر بأصابعي على غرفة إسلام ناجح وأحمد بدر المجاورة لنا في الفندق، يفتح لي إسلام متهللا ومستعدا كعادته للخروج.. لم يكن الخروج بهذه السهولة، فنحن لا نعرف المكان جيدا، ولا نستطيع تحديد وجهاتنا بسهولة، قررنا أن نبدأ بالمشفى لنتعرف على حجم الإصابات، توجهنا إليه بسيارة رفض صاحبها أخذ الأجرة منا إكراما لنا.. ودخلنا سريعا لندور في جنباته ونسأل أطباءه عن الحالات.

بالداخل قابل الطبيب الشاب حافظ عيسى الحاسي، اصطحبنا الطبيب في جولة بالمشفى، شعرنا من هول الإصابات ودرجتها أننا أمام ضحايا حرب!.

لم تكن "المجزرة" جديدة على أهالي البيضاء كما يقولون، فالجدران مزينة بالملصقات التي تحمل عبارات عمر المختار: "نحن لا نستسلم.. ننتصر.. أو نموت"..

هذه العبارة تعيد إلى وجدان أهالي البيضاء جهاد "سيدي عمر" كما يلقبونه، فجهاد عمر المختار لا يزال ملهما وحاضرا في وجدان الليبيين، وخاصة أهل الجبل الأخضر الذي تحصن فيه زمن جهاده للمحتل الإيطالي حينها.

البيضاء التي تعتبر عاصمة الجبل الأخضر، تعتز بقبائلها التي حاربت مع "سيدي عمر"، وتعتبر كلماته نبراسا لها.

ساعة واحدة تمكثها في مشفى شهداء الجبل (الثورة التعليمي سابقا) كافية لتدرك حجم المأساة التي أغرق القذافي فيها شعبه، الرصاصات المستخرجة من الجرحى والشهداء مضادة للطائرات وللدبابات، الشهداء منهم أطفال قتلوا في بيوتهم، مثل رقية فوزي مبروك التي قتلها قناصة المرتزقة في عقر دارها.

في المشفى ستقابل شباب صغار مثل أنس محمود ابن السادسة عشرة الذي قفز من فوق الجسر كيلا يقتله مرتزقة القذافي، وستقابل محمد جبريل ابن مدينة شحات الذي أمطره المرتزقة بوابل الرصاص فاخترقت رصاصتان صدره، مع ذلك لا يزال يتمتع بروح معنوية عالية ويصر على أن يرفع يديه بعلامات النصر.

جبريل الذي أجريت له عملية لاستخراج إحدى الرصاصتين من صدره قابلناه قبيل دخوله غرفة العمليات لإجراء عملية أخرى لاستخراج الرصاصة الثانية، كلمنا بتفاؤل كبير قائلا: "كله يهون من أجل ليبيا".. د. حافظ قال لنا: "إن حالة محمد لا تزال غير مستقرة".. غير أن محمد قاطعه قائلا: "بين يدي الرحمن".

سنترك أنس وجبريل لنصادف مصابا آخر وآخر.. إنها سلسلة لا تنتهي، ولا توجد حالة غير خطيرة!.

ستترك قسما ما لتدخل قسما لتجد الحالة أكثر مأساوية، العظام في حرب القذافي لا تنكسر.. بل تتهشم وتتفتت، الرصاص المضاد للطائرات والدبابات يخترق الأجساد ولا يترك وراءه إلا الجثث.

ربما يصيبك الغثيان حينا، ولكن هذه الحالة ستغادرك فورا أمام ذهولك من تمسك المصابين بالأمل والمعنويات العالية، ما يؤرق المصابين هو شيء واحد.. أنهم لن يشاركوا في مراحل جديدة من حرب التحرير.

في ليبيا.. لن تجد ثورة شعبية، لقد حولها القذافي إلى حرب.. حرب تحرير من نظامه البئيس.

بعد ساعة دامية، قررنا اللحاق بصلاة الجمعة، خرجنا من المشفى، قابلنا صديقي العزيز على فيس بوك "أمير البيضاء" اصطحبنا إلى مسجد بلال بن رباح (ثاني أكبر مساجد البيضاء)، حيث خطب الشيخ صلاح سالم خطبة رائعة، وصلينا الجمعة بالخارج لامتلاء المسجد عن آخره.

قابلنا الشيخ صلاح بعد الجمعة، ووعدنا بأننا سنجري معه حوارا في المساء، قابلنا أ.فضل أبو زهرة، أخذنا في سيارته لنشاهد المظاهرات التي انطلقت في البيضاء تعلن تضامنها الكامل مع أبناء الزاوية ومصراتة وطرابلس.

كان معنا التركيان "محمد حلمي ﮔنـﭻ" و"أحمد ساري كورت" اللذان كانا على متن سفينة مرمرة المتوجهة إلى غزة عندما ضربها العدو الصهيوني.. كان "ﮔنـﭻ" يتحدث العربية، ورغم أنه خمسيني فإنه يحمل في جنباته روحا شابة جميلة.

أصر "الأستاذ فضل" على اصطحابنا إلى منزله لتناول الغداء، وشربنا الشاي الليبي الثقيل، وكان الحديث وديا رائعا، بعدها بقليل تطرق حديثنا عن فترة حكم القذافي إلى مذبحة سجن أبو سليم، وفوجئنا أن الأستاذ فضل عاصر تلك المجزرة معتقلا في سجون القذافي عام 1996.

لم يشفع لأبناء قبيلة البراعصة أنهم أخوال أبناء القذافي الخمسة (سيف، الساعدي، خميس، حنيبال، عائشة)، ولذلك كانوا من أول الثوار عليه في البيضاء التي شهدت أو شهيدين في الثورة الليبية يوم 16-2-2011.

بعد غداء "أبو زهرة" توجهنا إلى مقر جمعية الحكيم، وهناك أجرينا حوارا ممتعا مع الشيخ صلاح، وطاف بنا في أرجاء المدينة، بدءا من ميدان الطلحي الذي انطلقت منه شرارة المظاهرات، إلى مبنى الأمن الداخلي الذي كان الشيخ صلاح محتجزا فيه قبلها بيومين، والذي ارتقى أمامه أول شهيدين برصاص الأمن الداخلي.

تضمن الحوار كل شيء، هاجمنا الثورة الليبية، وطرحنا اتهامات القذافي، وواجهناه بمخاوف المجتمع الليبي والمجتمع الدولي، وتحلى الشيخ صلاح سلام برؤية الثائر ونفسية المقاوم، ورد بكل أدب ثبات على كل أسئلتنا.

بعد انتهاء الحوار، شكرنا الشيخ صلاح أننا أتحنا له تلك الفرصة لتبيان وجه الحقيقة، وشكرناه على حسن الاستضافة.. فاعتبر شكرنا سبة.. لأن ذلك أقل واجب عليه.

استقللنا سيارة الأستاذ فضل، وانطلقنا عائدين نحو الفندق، وفي الطريق، توقف فضل ليهدينا طعام العشاء، ووعدنا بأنه سيكون عندنا في الفندق في الصباح.

هناك تعليق واحد:

Emtiaz Zourob يقول...

قلوبنا تقطر دما على اخوتنا في الشقيقة ليبيا ،، ربنا ينصرهم يارب ويحقق لهم الحريةوالكرامة ..

سعيدة بمروري هنا لاول مرة وان شاء الله من المتابعين.