20‏/03‏/2011

أحلام ثائر عربي!

تحت ستار الليل الثقيل.. ترجلت من السيارة، وسرت بخطى وئيدة نحو مبنى صالة الوصل، توقفت للحظات والتفت لأودع بنظرة أخيرة ما يلوح من أنوار "امساعد".. القرية الليبية الأولى التي تصادفك عند دخولك ليبيا من معبر السلوم المصري، أو تودعك وأنت عائد إلى أم الدنيا.

لم أخف فرحتي بالعودة إلى مصرنا الحبيبة.. كدت أعانق جندي الجيش المصري الذي استقبلنا استقبالا رائعا عند الحدود المصرية، وبادلني هو بحفاوة بالغة وكأنه يعانقني بالفعل بشدة الاحترام والمبالغة في الاطمئنان علينا.. ورغم هذه السعادة فإنه من الصعب أن أخفي أيضا حنينا جارفا للعودة مرة أخرى إلى ليبيا الحرية!.

كانت المعاملة عند شباك الجوازات في صالة الوصول رائعة، ولم نستغرق دقائق للدخول على عكس الساعات السبع التي قضيناها على المعبر عند دخولنا، لكني شعرت بامتعاض من أن تستقبلني أوراق وتأشيرات، وتودعني أوراق وتصريحات..

بينما كانت الحافلة تهبط بنا من على التبة التي يقبع المعبر عليها، كانت أنوار امساعد قد اختفت تماما، وزاد الحنين..

تمنيت أن أعود مجددا لليبيا الحرية، لكن بلا أوراق هوية.. بهوية واحدة، "أنا عربي"..

سأعود يا أهل ليبيا لأحتفل معكم بنسائم الحرية، سأدخل ربما من دون تأشيرة، لن أقف عند المعابر التي صنعها الاستعمار، فالحرية قطعت أذيال الاستعمار..

سحر الجبل الأخضر

سأسير بسيارتي من بلدتي حتى بنغازي، وسنمر في طريقنا على طبرق الساحرة، وسنبيت ليلتنا في البيضاء، وسنسهر لنسامر أهلها الكرماء، وفي الصباح تستمر رحلتنا حتى بنغازي، وهناك سنلهو مع ثوارها على شواطئها الجميلة، سنحلق في سماء الحرية كما تحلق نوارسها البديعة، وفي المساء,, سنستكمل المسيرة..

مسيرتنا ستمر على سرت، ومنها إلى طرابلس التي صارت آمنة مطمئنة، حرة أبية، يروح ويغدو أهلها بفخر وإباء بين مصراتة الصامدة، والزاوية المحررة.. وبعد ليلة أخرى، ستمرق سيارتنا إلى راس جدير..

ما أحلى عبير ياسمين الحرية، يا تونس الأبية، ما أجمل أن نزور تونس الخضراء، ونحيي مطلقي ثورات الحرية والإباء.. عشتم أحرارا يا أهل تونس، ما أجمل القيروان القديمة، وما أبدع تالة والقصرين، وسيدي بوزيد مفجرة ثورات التحرير العربية، وقفصة وبنزرت والمنستير، وصفاقس العروس، وقبل أن نغادر تونس سنبذر مزيدا من الياسمين الذي اتصفت به الثورة..

بعدها تبدأ رحلة العودة، ومدن العودة قد تختلف عن مدن الذهاب، ربما سنمر هذه المرة من سبها، ونبيت في الكفرة، وعندما نصل بيوتنا.. ونقف أمام أبواب بيوتنا، ستحدثنا أنفسنا بمواصلة رحلاتنا، وسنغادر أم الدنيا مجددا نحو المشرق هذه المرة، سنرشف من نهر الأردن العظيم رشفات عذبة، وسنرتجف بردا في جبال لبنان التي تغطيها الثلوج.

ياسمين الثورة بدمشق

ومن جبال لبنان ومواقع الصمود التي صدت عدوان بني صهيون، سننطلق إلى دمشق، وسنقف في الطريق أمام درعا (سيدي بوزيد السورية) التي فجرت ثورة التحرير السورية، وسنقطف زهور الياسمين التي كان قد بذرناها في قرطاج، وستفوح روائح الحرية في كل أرجاء الشام، حمص الجميلة، وحلب الموسيقى، وستمتزج بها بحار اللاذقية.

بعدها سننطلق إلى أنطاكية، ونعرج على ماردين، ومنها إلى إستانبول، وسائر المدن التركية التي جعلت حدودها مفتوحة أمام العرب.

وبعد قراءة الفاتحة على قبر أربكان، سننحدر لأداء العمرة قبل أن نقف عائدين، وفي طريقنا للبيت العتيق، سنتوقف لنشرب من دجلة والفرات، ونحيي أهل بغداد والبصرة والكوفة، وننظر في وجوه الأباة من مجاهدي الرمادي والفلوجة.

ومنها.. إلى زمزم العذبة، والحجر الأسود، والسعي بين الصفا والمروة، وسنمكث في الروضة الشريفة بعد صلاة الفجر حتى الشروق.. وسنصلي العصر في قباء، ثم نقفل عائدين لديارنا بعد أن نسلم على رسولنا الكريم، وأبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وسنهمس له بأننا لن يستعبد أهل مصر أحد وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا..

وفي الطريق نمر على ضفة الشهداء، وجنين الإباء، ودخل بيت المقدس من باب حطة سجدا، ونسلم على كليم الله موسى عند الكثيب الأحمر بأننا طبقنا وصيته التي رفضها بنو يهود، ونعرج على غزة هاشم الحرة الأبية.. وندخل مصر إن شاء الله آمنين.

لعلها أحلام ثائر عربي.. لكننا في زمن الأحلام، ولعل الله ينجزنا وعده.

ليست هناك تعليقات: