29‏/11‏/2014

"زينب البوعزيزي".. ومن قلب اليأس ثورة


(1)
هو.. خريج جامعي تونسي، اضطرته البطالة للعمل كبائع للخضار والفاكهة على عربة يجرها باليد، لكن موظفي البلدية صادروا عربته البائسة وما عليها، ولدى احتجاجه على مصادرة مصدر رزقه وحياته قوبل بالعنف والإهانة والضرب وكسر كرامته، كما رفض محافظ ولاية أو محافظة سيدي بوزيد مقابلته، أغلق الجميع بوابات الحياة والمستقبل دونه، فلم يجد أمامه سوى حرق نفسه صادما ضمائر كل من له ضمير.


غير أن محمد البوعزيزي ربما لم يكن يتصور أن النيران التي أشعلها في جسده ستظل حية متأججة في "سيدي بوزيد" (وسط تونس) على مدى 10 أيام متعاقبة، قبل أن تدق أبواب العاصمة التونسية (تونس) في مظاهرات حقوقية واجتماعية تطيح بعدها بالطاغية الجاثم على صدر البلاد سنين طوالاً، ومن ورائه موجة تهدد عروشا طالما ظن أصحابها ألا تبيد هذه أبدا.


(2)


هي.. خريجة أزهرية، درست العلوم الشرعية والفقهية، نشطت في المجال الحقوقي وتنقلت بين أطياف سياسية مصرية عديدة، لم تمنعها الاختلافات الفكرية والتوجهات السياسية من الانتصار لحقوق أولئك الذين تختلف معهم وترى خطأهم.. تألّمت لهم ولأحوالهم، قادت حملات التعريف بأحوالهم وما يلاقونه في المعتقلات من تنكيل.



ولما صدمتها أوضاع وطنها.. وأوجاع أخواتها، وعصفت بها الوحدة وآلام النفس.. مدّت زينب المهدي من سقف بيتها حبلا، وتدلّت منه رقبتها، ورحلت في صمتٍ أبلغ من أي كلام، صافعةً فرقة رفقاء الثورة، ونأيهم عن مداواة جراح بعضهم بعضا.


(3)


نحن.. تفرّقت بنا الطرقات والسبل، وتشتّت الشعوب عن ثوراتها التي أطلقتها مزهرةً نديّةً تملأ نسماتها أجواء الدنيا، وباتت تلك الثورات الربيعية تختنق بين دخان الخلافات، وتتجمد في شتاء الأيدولوجيات، والتدابر، ما أسرع انصرافنا عن الثورة.. وما أقسانا حسابا لغيرنا، وأليننا مراجعة لسوء فعالنا.


لا ثورة في العرب تُحسدُ على حالها، كلها آلت إلى التراجع.. قفزت من الربيع إلى الشتاء، وتجمدت ثمارها على الأغصان، وباتت ضمائر الشعوب والثوار في حاجة إلى تلك الصدمة.. هذه الصفعة من جديد، لعلها تنفض عنها تراكمات الجليد، لتستعيد دفأها، وتتراحم قلوبها من جديد.


(3)


ملحدة.. كافرة.. مرتدة.. في النار..


يمكن إذن أن نفهم سبب الهلع، ورجم الفتاوى التي انهالت على زينب المهدي، إنها خشية إيقاظ تلك الضمائر الخاملة، السعي لصرف الأذهان عن تلك المعادلة التي ضربتها زينب، فتلك التي تخلت عن تيارها السياسي، وبدلت مظهرها وشكلها، وفعلت ما لم تكن تظن أنها تأتيه.. لم تترك أبجديات إنسانيتها، وظلّت لا تبيع مبادئها باختلاف مواقعها، تنظر إلى الإنسان كـ "بشري"، له من الحقوق ما لها، حتى ولو كان مناوئا لأفكارها.


انتحرت زينب المهدي، فألصقت بها كل الجرائر، وتمت نسبتها لكل الأطياف السياسية التي مرّت بها لإلصاق النقيصة بها، فهي الإخوانية الليبرالية عضو حملة أبو الفتوح الرئاسية العضوة بحزب التيار المصري، خالعة الحجاب، المنتحرة، لكن الجميع نسي أن يصفها بما عاشت من أجله: "رحلت زينب الإنسانة".


اغتالها اليأس والألم على ثورتها ووطنها.. قتلتها الفرقة والوحدة والبعد عنها، كلنا يهرب من تلك الأوصاف الحقيقية كي ينسى ما عليه من تبعات، كي يحمّل زينب نفسها وزر يأسها وألمها.


لا تيار تنتمي إليه زينب إلا كونها بشرا كرمه الله "ولقد كرمنا بني آدم"، ألا يكفي ذلك لديكم يا أبناء آدم.

ليست هناك تعليقات: