29‏/11‏/2014

يا وزير الأوقاف.. يا أيها السادة المتمشيخون.. كفاكم جهلا

من حيث لا يدري، وصف وزير الأوقاف حكومته بالخوارج، فالوزير الذي اندفع مبادرا للدفاع عن الحكومة ضد مظاهرات 28 نوفمبر قال إن الدعوة لرفع المصاحف في المظاهرات "عودة لفكر الخوارج"، وفات على الأستاذ الجامعي الأزهري مراجعة أصغر طالب في الصف الأول بالكلية التي كان يتولى عمادتها ليعرف أن الخوارج لم يرفعوا المصاحف أبدا.. وإنما كان الخوارج هم أولئك الذين رفضوا رفع المصاحف وتحكيمها، بينما قبل به سيدنا عليّ رضي الله عنه، فخرجوا عليه.




ورغم أن البيان الصادر عن الجبهة السلفية "الداعية لمظاهرات انتفاضة الشباب المسلم" خلا من أي إشارة إلى رفع المصاحف؛ إلاّ أن الوزير فيما يبدو اعتمد على أن الناس لن يقرؤوا البيان، ولن يراجعوا الدعوة.. لكنه أيضا لم يراجع كتب التاريخ ولم يتكبد عناء تذكر حدث محوري شهير في عصر صدر الإسلام ومع رابع الخلفاء الراشدين، فحاول إسقاط الواقعة على ما يجري، فجعل الحكومة الرافضة للمظاهرات "خوارج".

المصيبة، أن كلمات وزير الأوقاف سرعان ما سار على نهجها مستشار المفتي إبراهيم نجم، وكرم زهدي أحد مؤسسي الجماعة الإسلامية، وعادل نصر المتحدث باسم الدعوة السلفية، وغيرهم.. ويكفي أي بحث بسيط على محرك بحث لتنفجر الأخبار على مختلف المواقع الإخبارية تحمل تصريحات المشايخ والدعاة والأساتذة الجامعيين المؤيدين للحكومة الذين سبوا الحكومة من حيث أرادوا مدحها، وانقلب السحر على الساحر.

ومن وراء السادة المتمشيخين، انبرت صحف ومواقع لتتعقب رفع المصاحف بدءا من "الخوارج" وحتى "الإخوان"، بالرغم من أنها لم تبدأ بالخوارج وإنما من سيدنا عمرو بن العاص "فاتح مصر"، ولم يحيها أحد.. ولو صحت روايتكم لكان محييها هو الجبهة السلفية وليس الإخوان، لكن العيب مش على الصحف، وإنما على العلماء الذين قلبوا عمرو بن العاص خارجيا.. يبقى قلب الجبهة السلفية إخوان جريمة مهنية أخف ضررا.

إنني أحيلكم أيها السادة إلى أي كتاب من كتب التاريخ يتضمن عصر صدر الإسلام لتكتشفوا أنكم كنتم كالدبة التي قتلت صاحبها، أو ربما أردتم استحمار الشعب وتفزيعه من دعوات معارضة ومخالفة لتوجهاتكم السياسية، فوظفتم الدين والتاريخ بشكل استحماري فكاهي لوصم معارضيكم بالخوارج، بينما لصقتموه بحكومتكم، وأردتم التجويد بعد ذلك فاسترجعتم كل الأحاديث الواردة في الخوارج وإباحة دمائهم، وهم يهدرون دماء وزرائهم وحكومتهم من حيث لا يحتسبون.

يا سيادة الوزير إنني أحيلك إلى كتاب الدكتور سيد أحمد حمور والعميد السابق لكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بالقاهرة، المقرر على طلاب الفرقة الأولى بكليتك التي توليت عمادتها قبل ذلك، لتكتشف أن فكرة رفع المصاحف كانت مشورة سيدنا عمرو بن العاص (فاتح) مصر على أنصار سيدنا معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، وأن الذين رفضوا ذلك كانوا هم الخوارج الذين قالوا: "لا حكم إلاّ لله"، وخرجوا على سيدنا عليّ لقبوله التحكيم فقال عن كلمتهم تلك: "كلمة حق أريد بها باطل".

إنني أحيلك يا سيادة الوزير إلى ما ذكره ابن كثير في كتابه: "البداية والنهاية" تحت عنوان: "ذكر رفع أهل الشام المصاحف مكرا منهم بأهل العراق وخديعة" في السنة السابعة والثلاثين بعد الهجرة، حيث قال: "فعند ذلك رفع أهل الشام المصاحف فوق الرماح، وقالوا: هذا بيننا وبينكم، قد فني الناس فمن للثغور؟ ومن لجهاد المشركين والكفار؟ وذكر ابن جرير وغيره من أهل التاريخ، أن الذي أشار برفع المصاحف هو عمرو بن العاص، وذلك لما رأى أن أهل العراق قد ظهروا وانتصروا، أحب أن ينفصل الحال، وأن يتأخر الأمر، فإن كلا من الفريقين صابر للآخر، والناس يتفانون، فقال لمعاوية: إني قد رأيت أمرا لا يزيدنا إلا اجتماعا، ولا يزيد أهل العراق إلا تفرقا واختلافا، أرى أن نرفع المصاحف وندعوهم إليها، فإن أجابوا كلهم إلى ذلك برد القتال هذه الساعة، وإن اختلفوا فيما بينهم - بأن يقول بعضهم: نجيبهم . وبعضهم: لا نجيبهم، فشلوا وذهبت ريحهم".

إنني أحيلك إلى المطولات والمختصرات، إلى الثقات والضعفاء، إلى المشهورين والمغمورين، إلى المتقدمين والمتأخرين، فائتني بواحد منهم يقول إن الخوارج هم الذين رفعوا المصاحف على أسنة الرماح.

إنني أتحداكم أيها المشايخ المشهورين والمعروفين أن توثقوا رواياتكم المغلوطة المكذوبة التي أردتم الضحك بها على الشعب، فشتمتم الحكومة بأقذع سباب، ما أحسب أن أحدا وصفها بالخوارج قبلكم.

إنني أدعوكم أيها السادة من الوزراء والمستشارين والدعاة والمشاهير والهيئات إلى الصمت المطبق، فأن تحرّفوا التاريخ لتضحكوا على شعوبكم مصيبة، وأن تجهلوا ثوابت التاريخ الإسلامي وأشهر أحداثه الفاصلة فالمصيبة أعظم، كفاكم طنينا وحديثا فكلامكم يزيف وعي الشعوب، ويضر بكل الأطراف ويشتم الحكومة والشعب ويرميهما بالاستحمار والخروج وإهدار الدم وغيرها.

سيادة الوزير.. السادة المتمشيخون.. كفاكم كذبا ومتاجرة بالدين وبالتاريخ، واستحمارا للشعب.

ليست هناك تعليقات: